الرئيس مرسي والخطاب الغائب

الرئيس مرسي والخطاب الغائب

 عماد الدين شاهين

حسب إحصائية إعلامية علمية أعدتها وكالة الاناضول للأنباء ونشرت في مقال للأستاذة هاجر الدسوقي بتاريخ 31 أكتوبر 2012 ، فإن الرئيس محمد مرسي القى 54 خطابا وكلمة وحديثا في أربعة اشهر، أي بمعدل خطاب كل يومين، منذ توليه الرئاسة. وكان للمساجد والمناسبات العسكرية النصيب الاكبر من هذه الكلمات والاحاديث.

وعلى الرغم من الكثرة المدهشة لهذه الخطابات، الا انني ازعم ان اهم خطاب لرئيس البلاد في هذه الفترة الحرجة ما يزال غائبا أو مفتقدا أو منتظرا لم يتم القاؤه بعد. هذا الخطاب الغائب يمكن أن نسميه خطاب “القيادة والرؤية” أو خطاب “المكاشفة والمصارحة”.
ومن الغريب أن الرئيس يظهر في مواقع ليس من المهم ان يخطب فيها أو ان يكون موجود فيها في الاساس، ويغيب في مواقع الازمات التي تحتم عليه كرئيس وقائد للبلاد أن يظهر فيها (مثل غيابه المبهر بعد جمعة المحاسبة أو عدم خروجه لتوضيح موقفنا من إسرائيل بعد الخطاب الودي وضرب السودان).
إذا تجاوزنا “خطاب الاستاد” في أكتوبر الماضي والذي شابه الارتجال الغير محمود وجاء دون مستوى تحديات المرحلة من حيث إغفاله تحديد الاولويات والاهداف المرحلية والموارد الازمة لتحقيقها، فانه من حق الشعب أن يتوجه الرئيس مرسي إليه بخطاب يؤكد على امتلاكه لزمام القيادة وان لديه رؤية واضحة لمعالجة الأمور الملحة.
أولا، في الخطاب الغائب يأمل الشعب من الرئيس أن يقدم له كشف حساب تفصيلي بالتركة التي أستلمها من النظام السابق بمرها وحلوها في حديث “مكاشفة ومصارحة”، حتى يمكن ان نعلم حجم المشاكل التي ورثتها ادارته وان نكون له عونا على حلها أو نصبر عليه حتى تتمكن إدارته من حلها ، ومن جهة أخرى حتى يمكن لنا أيضا أن نقيم أداءه قبل انتهاء مدته لننتخبه مره ثانية إن أحسن في تحمل مسئولياته أو نبحث عن غيره ان قصر فيها. هذه المصارحة ضرورية لكي يقطع الطريق على التقولات التي تلمح الى التباطؤ المتعمد في تطهير بعض مؤسسات الدولة خشية اغضابها وفقدان دعمها لمشروع ادارته الاقتصادي والاجتماعي، أوتلك التي تعزو الامر الى ارتباك واضح في المؤسسات القيادية للدولة والتخبط في الرؤية واتخاذ القرارات.
ثانيا، في الخطاب الغائب نريد من رئيس الدولة أن يحدثنا عن المشكلات التي يراها هو ملحة في المرحلة الحالية ويضعها على سلم اولوياته. مثلا، هل يتفق الرئيس على ان أهم المشكلات الانية التي تواجه البلاد هي نقص السيولة وقلة الانتاج وعدم توفر فرص العمل. وأن كل هذه الازمات مرتبط بشكل مباشر باستقرار الامن، وأن الامن لن يستقر الا اذا تم تطهير المؤسسات الامنية. حدثنا الرئيس عن مشكلة عجز الموازنة وأزمة السولار والفساد. ولكن اليست هذه كلها اعراض – وليست أسباب – لمشاكل هيكلية وبنيوية للاقتصاد المصري. فما هي رؤية الرئيس لتلك الاسباب الهيكلية التي تتجاوز الحديث عن أنبوبة البوتاجاز وشباب التيرسكل وبدل السفر لمرافقيه وانتقاد البعض لصلواته.
ثالثا، في الخطاب الغائب نريد من الرئيس أن يقدم رؤية محددة واطار استراتيجي وزمني للحلول لتلك المشاكل الملحة. من ادرانا ان سياسة الاقتراض من صندوق النقد الدولي هي طوق النجاة الوحيد لنا في تلك المرحلة لسد نقص السيولة ودفع طاقة الانتاج المعطلة. الم يحاول محاضير محمد تحذيرنا مرارا من الاستماع لنصائح صندوق النقد! ولماذا لا يكون الحل العاجل في اللجوء الى الشعب بعد مصارحته والصدق معه واتباع سياسية تقشفية رشيدة (كما فعلت البرازيل تحت قيادة لولا دا سيلفا) وترشيد نفقات أجهزة الدولة (من قصور وفلل وسيارات وأمن) وقفل حنفية الفساد واسترداد الاموال الطائلة المنهوبة داخليا وخارجيا كما وُعدنا من قبل وتنشيط السياحة المصرية في الوقت الراهن ، الى ان ينفخ الله في ادارتنا وارادتنا ونتمكن من تطوير الزراعة وتأهيل الصناعة والتوسع فيها والاستثمار في الموارد البشرية والبحث العلمي والتقني والارتفاع بمعدلات الانتاج والتصدير كي نصير دولة متقدمة.
رابعا، نريد من الرئيس مرسي ان يشرح لنا بالضبط كمجتمع وكجماعة وطنية لماذا نوضع في حالة تصادم واستقطاب حاد حول معارك مصطنعة والى متى نستقطب وما هي معاركنا الحقيقة بالضبط. هل من المنطق أن يضيع دمنا بين صراعات نخب علمانية ونخب اسلامية، أو نستقطب على لجنة تأسيسية لا تحظى بالتوافق، أو دستور سيهيج حالة الاستقطاب قريبا، أم على مقدار الشريعة أو مبادئها أو أحكامها الواجب توافرها في هذا الدستور، أم يطرح علينا الرئيس رؤية وسياسات محددة تجعلنا نتكاتف جميعا لمواجهة ما هو أهم ويمس استقلال قرارنا ونموذجنا التنموي المناسب لنا ومكانتنا الإقليمية وأمننا القومي. لماذا لا يخرج علينا الرئيس ويحدثنا أنه لن تأتي استثمارات الى البلد طالما هناك حالة فراغ دستوري ومؤسسي أي طالما بقينا دون دستور يضبط وبرلمان يشرع. وماذا هو فاعل ان استمرت حالة الفراغ المؤسسي والدستوري أكثر من هذا؟
نحن نريد لهذه الادارة ان تنجح ولا نتمنى لها الفشل على الاطلاق، لان نجاحها على اقل تقدير يعني تفويت الفرصة على الفلول.ولكننا نريد من الرئيس أن يرسل رسالة طمأنه للشعب أن هناك رؤية واضحة وارادة سياسية قوية للتغيير لنصل الى مستوى التضحيات التي بذلت في هذه الثورة وأوصلته لتولي مقاليد حكم البلاد.
ما زلنا نرى ونصر على تمكين ثورة يناير ومطالبها العادلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، ومقاومة النماذج الاقتصادية التي تزيد الناس افقارا وتزيد من اعتمادنا على الخارج وعلى قمع وزارة الداخلية لأي ثورة اجتماعية قد تنفجر مستقبلا. ولن نيأس حتى تصبح هذه المطالب حقيقة قائمة. كل هذا يتطلب الشفافية ومصارحة الشعب والاعداد الجيد المدروس للقرارات والانفتاح على كافة القوى السياسية والاستعانة بأفضل الكفاءات الادارية والتنفيذية الموجودة في الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الفكرية.
ما زلنا ننتظر هذا الخطاب ليبين بوضوح الى اين تقودنا الادارة الحالية وهل التباطؤ في المصارحة والمكاشفة هي ربما بسبب رؤية مغايرة ولكنها غير معلنة كي لا نصدم بأننا مندفعون ولو مرحليا الى أحضان الصندوق والى الحفاظ على التحالفات الاقليمية التقليدية والعلاقات القديمة مع الولايات المتحدة واسرائيل. نأمل ان يوضح الخطاب المنتظركل هذا.
——————————————————————————-
د. عماد الدين شاهين– أستاذ السياسات العامة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
email
أين نحن من شروط النهضة؟
الحضارة التى بقيت والتحضر الذى ذهب

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *