“فضّ الإعتصام بالقوة تطور نوعي خطير.. والحلّ في انتقال شرعيّ للسلطة”

“فضّ الإعتصام بالقوة تطور نوعي خطير.. والحلّ في انتقال شرعيّ للسلطة”

اعتبر الدكتور عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن ما حدث في مصر يوم الأربعاء الأسود، هو شيء مؤسف جدا وتطور نوعي خطير للغاية، فضلا عن كونه غير مبرّر على الإطلاق، مشيرا إلى أنه كانت هناك حلول سلمية عديدة ومبادرات مطروحة، داخلية وخارجية، كان من الممكن أن تُخرجنا من هذه الأزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر ودون إراقة للدماء التي سالت.

وقال شاهين، الأستاذ الزائر بجامعة هارفارد سابقا وأستاذ كرسي الأديان والصراع وبناء السلام بجامعة نوتردام بالولايات المتحدة سابقا، في حوار خاص مع swissinfo.ch: “إذا أردنا أن يحدث نوع من السلام الإجتماعي، فيجب أن يحدث، إلى جانب المصالحة الوطنية والعدالة الإنتقالية، انتقال شرعي للسلطة، ليس عن طريق الإنقلاب، وإنما عن طريق مرجعية دستورية، وذلك من خلال الإحتكام إلى الدستور الذي تمّ الإستفتاء عليه، ومن خلال انسحاب وخروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية برمّتها، حتى لا تتحوّل مصر إلى دولة بوليسية ديكتاتورية”. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي.

swissinfo.ch: ما هو رأيكم فيما حدث من فضّ بالقوة لاعتصاميْ “رابعة العدوية” و”النهضة”، صباح أمس الأربعاء 14 أغسطس، وأسفر عن عدد كبير من القتلى والجرحى (2600 و9 آلاف على حد رواية الإخوان) و(بضعة مئات على حدّ رواية الحكومة)؟

الدكتور عماد شاهين: ما حدث يوم الأربعاء الأسود بمصر، هو شيء مؤسف جدا وتطور نوعي خطير للغاية، كما أنه غير مبرر على الإطلاق، لأنني أعتقد أنه قد تم تقديم حلول سلمية ومبادرات عديدة، كان من الممكن أن تُخرجنا من هذه الأزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والضحايا، ودون إراقة للدماء التي سالت. ولكن للأسف الشديد، فإن السلطة الحاكمة رفضتها جميعا ولم تلتفِت إليها، وأصرّت على المُضي في خارطة الطريق وفرْض رأيها ورُؤيتها بالقوة، فكانت النتيجة هذا العنف غير المبرر وغير المسبوق من قبل وبهذا الحجم الكبير والمبالَغ فيه، والذي أعتقد أن آثاره ستكون سلبية جدا ولن تساعد بأي حال من الأحوال في حلحلة الأزمة، وإنما ستزيد من تفاقمها وتعقدها.

بعدما حدث، هناك من يخشى من تحوّل جزء من أنصار هذه الجماعات والحركات ذات المرجعية الإسلامية، إلى حمل السلاح والكفر بالديمقراطية بعدما أصيبت بصدمة، نتيجة الإنقلاب على نتائج المسار السلمي والديمقراطي، الذي قبلت به ودخلت على أساسه اللعبة السياسية؟

الدكتور عماد شاهين: ليس بالضرورة أن يحدث هذا فقط في الجماعات الإسلامية التي كان يُطلق عليها من قبْل “الراديكالية”، وإنما نحن نتكلم عن جيل جديد من الشباب الذين ينتمون للحركات الإسلامية بشكل عام، وخاصة ممن مضوا في العملية الديمقراطية وشاركوا في الإستحقاقات الإنتخابية الخمسة، التي أجريت منذ نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، الإستفتاء على التعديلات الدستورية/ انتخابات مجلس الشعب/ انتخابات مجلس الشورى/ الانتخابات الرئاسية/ الإستفتاء على دستور 2012. وفي النهاية، ضُرِب بخياراتهم وأصواتهم عرْض الحائط.

أعتقد أننا الآن نتكلم عن جيل جديد من الشباب، أما الجماعات الإسلامية، فهؤلاء قاموا بعمل مراجعات في أواخر التسعينات وأوائل عام 2000، وقد أصبحوا اليوم في الستينات من العمر. هذا الجيل الجديد، سيشعر بالصدمة وقد يُصاب بحالة من العُنف المضاد، وسيحدث له نوع من المراجعة المعاكسة، وذلك في إطار بحثه حول إمكانية إحداث التغيير، طالما أن الدخول في المسارات الديمقراطية لم تحل المشكلة، والإنجرار في العملية لم تُجدِ نفعًا. وعليه، فمن المحتمل أن يكون بينهم مَن يذهب إلى العمل تحت الأرض، وهو بهذا سيعود إلى العنف لا محالة، وربما يُوجد بينهم مَن يطالب بثورة جديدة على الواقع الذي فُرِض عليه بقوة الإنقلاب على الشرعية.

برأيك، هل سيتمكّن القادة الحاليون لجماعة الإخوان المسلمين من الحفاظ على سلمية التنظيم وانضباطه، في ضوء هذا الغضب المتنامي من قطاع الشباب الذي صدم من الإنقلاب على أول تجربة ديمقرطية، يؤمن بها ويشارك فيها؟

الدكتور عماد شاهين: المنطق الذي سينطبق على جماعة الإخوان المسلمين، هو نفس المنطق الذي تعاملنا به مع الجماعات الأخرى، خاصة في وجود هذه الأزمات التي تدخل كلها في مراحل تطوّر مختلفة. فمن الممكن حدوث تحوّل وحصول انشقاقات داخلية أو بانفصال الكوادر الشابة عن القيادات التاريخية للجماعة، كما يمكن أن يحدث التطور من خلال عدم قدرة القيادات على ضم واحتواء الكوادر الشبابية. كما أن هناك تطور أو تحول سيحدث في الفكر أو الأيديولوجيا. ولا شك أن الجماعة كحركة اجتماعية ستخضع لهذه التحولات.

ما تقييمكم للمواقف الدولية (الرسمية والشعبية) مما حدث في مصر في 30 يونيو و3 يوليو الماضيين؟

الدكتور عماد شاهين: بالنسبة للدول العربية، فإنني أعتقد أن 30 يونيو وما بعده، أعاد المنظومة القديمة لعلاقات مصر مع الدول العربية إلى ما كانت تسير عليه خلال نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حيث كانت هناك بعض الدول الخليجية الحليفة لمصر، مثل: الإمارات والكويت والأردن والسعودية، فضلا عن العلاقات التي دائما ما تظهر دولة قطر على أنها على خلاف مع مصر. كما أن هذا الإنقلاب غيَّر في المعادلة وأظهر الصورة بشكل واضح، وأن هناك جهودا مكثفة ومحاولات مستميتة، لمسح وشطب كل إنجازات ثورة 25 يناير 2011، لأن غالبية الحكومات الخليجية تخشى من حدوث أو تصدير موجات ثورية من الممكن أن يكون لها أثر على استقرار الأوضاع في بلدانها، مثل ما حدث في الخمسينات والستينات، ولذا فإنها تتوجّس خيفة من نجاح ثورات الربيع العربي، وهذه الحكومات لعِبت دورا واضحا في دعم الإنقلاب، الذي أطاح بالرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي.

وماذا عن مواقف المنظمات الإقيلمية والدولية، وخاصة تلك التي تعمل في المجال الحقوقي؟

الدكتور عماد شاهين: بالنسبة للمنظمات الحقوقية، المصرية والدولية، فهناك نوعان منها، أولاهما: تظهر عندما تكون هناك إجراءات بشعة وجرائم لا يمكن السكوت عليها، فتقوم بعمل نوع من الإدانة وتعد التقارير التي تصدر بشكل اعتيادي، حتى تبدو في صورة المنظمات التي تدافع عن حقوق الإنسان. كما أن هناك نوعية من المنظمات التي تأخذ موقفا لا يُساوي بين الضحية والجاني، وهي عدد قليل من المنظمات، بينما تأخذ الغالبية العظمى من هذه المنظمات الحقوقية، مواقف سياسية مُسبقة، وإن تظاهرت بالإهتمام بالأمور التي تخصّ حقوق الإنسان.

حسب رأيك، إلى أي مدى سيؤثر ما حدث على النسيج الوطني في مصر؟ وهل بوسع هذه الجروح أن تلتئم بسرعة أم أنها ستترك آثارا سلبية لفترة طويلة من الزمن؟

الدكتور عماد شاهين: المجتمع المصري منقسِم على نفسه إلى مستويات عديدة، ليس فقط إلى تيار إسلامي وآخر مدني، وإنما إلى انقسامات عديدة، منها ما هو بين: الإسلامي والمدني والمدني المعتدل والمدني غير المعتدل والإسلامي والقبطي… إلخ، وهذا كله أثّـر على النسيج المجتمعي وعلى وحدة الجماعة الوطنية المصرية. ومن الواضح، أنه خلال العامين والنصف الماضيين، هناك لعب كبير على وتر الإنقسام المجتمعي والخريطة الجهوية (أحداث سيناء/ الضبعة/ النوبة/ الصعيد… إلخ) لزعزعة الإستقرار الذي كان موجودا قبل الثورة، فهناك محاولات للزعزعة من جميع الأطراف.

هل تعتقد أن مصر مقبلة ربما على موجة ثورية جديدة على الواقع الجديد الذي فُرض على الساحة؟

الدكتور عماد شاهين: نعم؛ بالتأكيد.. فهذا مطروح بقوة، وهذا ما أشرنا إليه في سؤال سابق، وقد فتح الطريق إليه أولئك الذين قاموا بالإنقلاب على الشرعية المنتخبة ونتائج الصندوق والعملية الديمقراطية، والذي قلل من أهمية وجدوى التغيير السلمي عبر صناديق الإقتراع، خاصة وأن الدولة العميقة هي التي تقف بقوة خلف هذا الإنقلاب.

كنتم من أول الباحثين السياسيين الذين حذروا من خطورة الدولة العميقة منذ نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام مبارك.. فهل ما زالت هذه المخاوف قائمة وهل تمثل خطرا على مكتسبات الثورة؟

الدكتور عماد شاهين: معلوم أن 30 يونيو هو توظيف مؤسسات الدولة العميقة للعنف الذي كان يتم شحن الشعب المصري به، من خلال نقص بعض السلع والخدمات الأساسية، للإنقضاض على الدولة المدنية الناشئة والتي كان يرأسها الدكتور محمد مرسي، والتي تمثلت في قضاء منحاز وداخلية ممانعة ومتواطئة وإعلام مُحارب على طول الخط ومؤسسة عسكرية ترى أنها تملك الدولة وقامت بتسييس الجيش ووضعت قاعدة مُؤداها أن “الجيش يملك الدولة والدولة لا تملك الجيش”.

ما هي حسب رأيكم الوصفة التي من المُمكن أن تساعد مصر في الخروج من مأزقها الراهن؟

الدكتور عماد شاهين: إذا أردنا أن يحدث نوع من السلام الاجتماعي، فيجب أن يحدث إلى جانب المصالحة الوطنية والعدالة الإنتقالية، انتقال شرعي للسلطة، ليس عن طريق الإنقلاب، الذي لم ولن يستطيع أن يثبت، وإنما عن طريق دستورية مرجعية شرعية، وذلك من خلال الإحتكام إلى الدستور الذي تم الإستفتاء عليه، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حوله أو عن الإنتقادات التي توجه إليه، ومن خلال ذلك، يتم تغيير السلطة على أرضية شرعية دستورية، وليس على أرضية انقلابية، لأنه هو الذي يوفر الآليات القانونية للتغيير.

فنحن نتحدث عن معايير ديمقراطية وعن مسار ديمقراطي وعن سيطرة مدنية على هذا كله، من خلال انسحاب وخروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية برمتها، ونعلم أنه قد تكون هناك بعض المطبّات أو الزلاّت السياسية، لكن هذه أمور مبدئية لابد من عدم التفريط فيها، للتمسك بالشرعية الدستورية، حتى لا تتحول مصر إلى دولة بوليسية ديكتاتورية.

أخيرا، ماذا عن “مبادرة المسار الديمقراطي” التي أنتم عضو بها والتي قدمتموها كحل للأزمة الراهنة؟

الدكتور عماد شاهين: ترتكز مبادرة المسار الديمقراطي على مبدأين أساسيين، وهما: استعادة المسار الديمقراطي ومواجهة الإنقلاب العسكري، ثم الإحتكام أو الانطلاق من مرجعية دستورية ثابتة، وليست من إعلان دستوري أصدره رئيس مؤقت معين وغير منتخب. كما أنها (أي المبادرة) توفر انتقالاً شرعيا ومخرجا آمنا لكل من ارتكب أخطاءًا أو ما زال يرتكب هذه الأخطاء، سواء عن طريق الإنقلاب الذي حدث، أو المجازر التي وقعت وتقع ضد معتصمين سِلميين يطالبون بحقوقهم القانونية والدستورية.

المصدر: سويس إنفو

الصورة: (Keystone)

email
حكم غيابي بإعدام باحث مصري بارز

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *