المعارضة الانقلابية المناكفة

المعارضة الانقلابية المناكفة

رموز المعارضة يعلمون أن ما يمارسونه مع إدارة الرئيس محمد مرسي  ليست معارضة حقيقية ومسئولة وإنما مناكفة ثقيلة من اجل إفشال إدارته وحكومته حتي لو أدي ذلك إلي تركيع مصر اقتصاديا ودوليا. فالمعارضة أنواع, منها المعارضة المنصفة والمعارضة المسئولة والمعارضة الانقلابية. ومعظم تصرفات معارضتنا تدل علي انها من الصنف الأخير اي الانقلابي المناكف. ففي المراحل الانتقالية التي تمر بها أي بلد كما هو حال مصر حاليا يمكن أن تلعب المعارضة دورا محوريا في غرس القيم والممارسات الديمقراطية السليمة, ونقد الحكومة وتقديم البدائل, وتجميع وحشد الأصوات.

الا ان معارضتنا قررت قلب ظهر المجن من باب فيها لاخفيها… وان شاء الله تولع. وأخذت تتصرف بمنطق انقلابي مناكف يطيل دون داع في امد المرحلة الانتقالية واستكمال المؤسسات المنتخبة, ويضر بمصالح مصر الاقتصادية, ويستدعي العنف, ولا يراعي حاجة وحق المواطن المنهك في الاستقرار والأمن وتحسين ظروفه المعيشية.
واستأسدت المعارضة مؤخرا وصورت خاصة للخارج ان الادارة الحالية ساقطة لا محالة وأنها هي التي يتوفر لها جذور وأثر في الشارع وأنها يمكن أن تحقق نصرا انتخابيا يضعها كبديل لمن في الحكم حاليا. ويعلم بعض خصوم الادارة خاصة من له دراية بسيطة بالعلوم السياسية أن انهيار المراحل الانتقالية لا يأتي بالضرورة بالمعارضة وإنما بالعسكر أو برجال النظام القديم.

هذا الاستئساد ليس عن رؤية لحل أزمات مصر أو وحدة بين صفوف المعارضة أو حتي لوجود زعامة كارزمية بين رموزها, فهي تفتقد لكل هذه الخصائص, وإنما لأخطاء ادارة الرئيس مرسي وتواضع أدائهم. فعدم ثورية الإدارة والحكومة وعدم شفافية عملية صنع القرار والتخبط في عدة قرارات والعجز عن بناء تحالف سياسي واجتماعي عريض هو الذي سمح لمعارضة كهذه أن تزايد علي استقرار وامن وسلام مصر.

وقعت المعارضة في أخطاء تستوجب التوقف والمحاسبة قبل ان تستمر في الدفع بالبلاد الي حافة الهاوية. أول هذه الاخطاء هو التشكيك المستمر في المؤسسات الدستورية المنتخبة من الشعب. بدءا من التشكيك في فوز الرئيس مرسي في انتخابات الرئاسة وادعاء وترويج أن شفيق كان المرشح الرابح ولكن ـ وبتبني نظرية المؤامرة ـ انقلبت النتيجة لصالح شفيق, متناسين انه لولا تجنيد وحشد أجهزة النظام البائد لما حصل شفيق علي حتي ربع ما حصل عليه من أصوات. ولكنها معارضة انقلابية مناكفة يسمي بعض أفرادها شفيق بالبرنس دون استحياء. ولم تقم المعارضة الليبرالية الدنيا ولم تقعدها من اجل حل البرلمان المنتخب, وحرضت علي حل اللجنة التأسيسية الأولي وبذلت كل ما في وسعها لإلغاء القضاء للجنة الثانية ومحاولة تعطيل الاستفتاء ومقاطعته. والآن تنصب اعينهم علي مجلس الشوري ويهددون بحله.

الخطأ الثاني هو الاستهانة بأصوات الشعب المصري والتعالي عليه كمصدر للشرعية والسيادة. فمن نادي باحتساب صوت المتعلم بصوتين وغير المتعلم بصوت واحد, إلي من خفف الأمر بعض الشيء وطالب باستفتاء المتعلمين فقط دون الجهلة. وهل من جهل ونخبوية واستعلاء علي الشعب أكثر من ذلك. وان كانت هذه المعارضة لاتثق في رأي وصوت الشعب المصري فلماذا تريد أن تحكمه.

ثالثا: ظهرت انقلابية المعارضة في تكرارها لدعوة المؤسسة العسكرية للتدخل والإطاحة بالرئيس المدني المنتخب. وكأن هذا هو طوق النجاة والخلاص لمصر. وبغض النظر اننا جربنا حكم العسكر ولم ينجح ومازلنا نعاني من آثاره, الا ان هذا من اعجب تناقضات معارضتنا الليبرالية المدنية! فكم صدعتنا منذ زمن مبارك بالدعوة للدولة المدنية وأنها معيار التقدم والحضارة والتمدن, وإذا بهم يتعامون عن أن ما يسمي بالدولة المدنية ان صح في تسميتها شيء هي في الأساس ضد الدولة العسكرية وضد حكم العسكر, ولكنه النفاق المتأصل في العلمانية العربية منذ نشأتها. وظهر أن الهدف هو تهميش الدين في الاساس وليس حماية الدولة من العسكرة.وعجيبة أخري ان يدعو أحد اقطاب المعارضة الي العودة لدستور1971 الذي ثار الشعب عليه.

رابعا: تجلت انقلابية المعارضة في استدعائهاللخارج للتدخل في حل أزمات أسهمت مناكفتهم الثقيلة في خلقها إلي حد كبير. فمن متعجب من عدم ضغط الغرب علي حكومة الرئيس مرسي, ومن يهدد باللجوء إلي القضاء الدولي والمنظمات الدولية للتدخل في أزمات داخلية هي نتاج عقود من الزمان, ومن يستنجد بأوباما دون استحياء ثم يحدثوننا عن النزاهة والاستقلالية.

خامسا: ماذا يسمي الاصطفاف مع الفلول والاستعانة بأموال رموز النظام البائد وبلطجيتهم إن لم يمكن انقلابا علي الثورة نفسها وعلي كل من ضحي شهيدا أو مصابا من اجل إزاحة النظام الفاسد وأعوانه وبناء حياة حرة كريمة لجميع المصريين. كيف يمكن لمعارضة نزيهة أن تتواصل مع شفيق وتسعي لانضمامه إليها. وكيف تؤتمن هذه المعارضة علي الثورة وعلي مصر مستقبلا.

سادسا, المعارضة الانقلابية تماهت مع العنف ومع تصدير المشكلات السياسية الي الشارع ولجأت إلي الانسحاب والمقاطعة والتشكيك المستمر. ماذا يعني أن ترفض المعارضة ـ وهي تري مباني وفنادق مصر تحترق ـ المطالبات المتكررة بأن توقف الاحتجاجات وأن تأخذ خطوة واحدة إلي الخلف ولمدة72 ساعة فقط حتي يظهر من يقف وراء العنف محرضا ومدبرا ومنفذا. فعلت المعارضة ذلك فقط عندما أدركت أن العنف يؤثر سلبا في صورتها امام الشعب( مسألة ايمج يعني) وانه ليس في مصلحتها أن تبدو في الداخل والخارج وكأنها تقف وراء العنف.

سابعا وأخيرا, خرجت المعارضة الليبرالية بمبادرات وطلبات وشروط عديدة علي ادارة الرئيس مرسي مثل تغيير الوزارة خاصة الوزراء ذوي الأداء الجيد وعلي رأسهم الوزير المتميز باسم عودة, وعدم محاولة اصدار قانون السلطة القضائية, وتعديل الدستور, وإقالة النائب العام, وتغيير قانون الانتخابات, عدم قيام مجلس الشوري بالتشريع…. في مقابل ماذا؟أن يسمحوا لرئيس مدني شرعي منتخب أن يكمل مدته.

أوليست بالله معارضة انقلابية مناكفة؟

المصدر: الأهرام

email
صوت الغضب
صيغة لا غالب ولا مغلوب

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *