من زاوية أخرى.. لماذا عماد شاهين؟

من زاوية أخرى.. لماذا عماد شاهين؟

أعرف عماد شاهين منذ 57 عامًا هي سنوات عمره الماضية. شخص خلوق مهذب ملتزم لا يختلف على وداعته وكريم خصاله اثنان. دؤوب في عمله، عظيم الجهد  لم أعرف شخص – عن قرب – يكرس هذا الجهد لتخصصه مثل عماد شاهين

ينتمى “شاهين” إلى هذه الفئة من العلماء الذين يصلون الليل بالنهار يكتبون أو يقرأون أو يراجعون؛ هذا الكتاب، هذه المقالة أو ذاك البحث و لا يخلو بيته من الزائرين والمريدين و لا يخلو من طلابه وأحلامهم وهمومهم وأفكارهم؛ يعطى هذا أذان صاغية أو ذاك رأيًا خالصًا في تواضع وأدب جم. ولا تستغرب أن اتصلت به فتجده يرد عليك من بلجيكا أو روما أو ماليزيا سافر في عجالة لهذا المؤتمر أو تلك المحاضرة. وتستغرب من سجل الشخصيات الذائعة الصيت التي كانت تسأل د. عماد شاهين المشورة هاتفيًا أو إلكترونيًا أو شخصيًا. شخصية ثرية متواضعة وصورة مشرقة لهامة أكاديمية مصرية عالية.  فهل هذه من إحدى الموارد التي أوردت د. عماد!

أذكر لعماد شاهين وهو فى سنته الأولى فى الجامعة الأمريكية كيف كان يسهر الليالي يغالب دموعه وتعب جسده النحيل وقد فرض على نفسه أن يحفظ كل يوم مئتي كلمة انجليزية جديدة. وأذكر كيف كانت مقالاته وأبحاثه على مدار سنوات دراسته تدرس لزملائه الطلبة كنموذج يحتذى للكتابة. وتدور الأيام ويجيد عماد شاهين الإنجليزية إلى الدرجة التي يصوب فيها كتابات أهل الانجليزية أنفسهم من غير أن يلتوى لسانه بلكنتهم أو يختلط مشربه بمشربهم وهو الذى عاش فى الغربة معظم سنواته.

لم ينخرط في حزب أو ينحاز لجماعة أو فرقة طوال حياته وإنما انحيازه لحرية الشعوب وحريته الفكرية. لا أتصور كاتبًا أو كتابًا هامًا فى السياسة لم يقرأه د.عماد أو يسمع به، أما الإسلام السياسي والحركات الاسلامية الناهضة فى العالم الإسلامى مشرقه ومغربه فهو “حجة بالغة”. ومن ذلك إنتاجه العديد من المراجع العلمية ​ولعل كونه المحرر الرئيس لموسوعة أكسفورد والسياسية خير شاهد على ذلك. فهل اهتمامه وهمه جريمة وهل هذه من إحدى الموارد التي أوردت د. عماد!

وبعد الانتهاء من دراسته الجامعية كان الباب مفتوحًا إلى أمريكا من أساتذته ومن يعرفون قدره ليواصل دراسته العليا. وواصل عماد كفاحه؛ دراسة بعض الوقت وعمل بعض الوقت لينفق على دراسته. واختار الإسلام السياسي كموضوع لرسالته ولم يثنه عنه رفض أساتذته الأمريكيين لاتجاه رسالته وتنحى مشرفه وإطالة الوقت عليه لمناقشة أطروحته. ومن عقبة إلى عقبة ومن فرج إلى فرج كانت مسيرة عماد شاهين في حياته ومسار السنين به. وفتحت له كبريات الجامعات أذرعها ولم يخطئه مؤتمر هنا أو هناك أو محاضرة أو لقاء مع شخصيات عالمية معروفة وعرفت كتاباته طريقها إلى كبرى الصحف العالمية ونكرته صحف بلده، وأصبح رأيًا حرًا مسموعًا خارج وطنه ولكن لا يطرب داخله. فهل هذه من إحدى الموارد التي أوردت د. عماد!

حين قامت ثورة 25 يناير أسرع د. عماد بالرجوع إلى بلده وباع كل ما يملك في أمريكا واستبشر بغد جديد في موطنه تهون فى سبيله سفن حرقها وراءه. ونزل إلى الشارع وشاهد وسمع ولمس كل شيء واستنشق الغاز وجمع بيديه فوارغ الطلقات التي سددت إلى صدور فلذات أكباد مصر، ورصدته أعين الاعلام العالمي ورصدته أعين أخرى. ولم يبخل بمشورة لهذا أو ذاك، ووجد نفسه فى غمار الحراك السياسي وكعادته لم يسع للأضواء ولم يتاجر بوطنيته ولم ينحاز لطرف أو آخر ولم يتلون ولم يتحفظ ولم يقل إلا ما يرضى ضميره وما قاله ليس أكثر مما قال غيره ولم يفعل أكثر مما فعل غيره، غير أنه يبدو أن لمقولته هو بالذات ثقل ولفعله أثر. فهل هذه من إحدى الموارد التي أوردت د.عماد !

أن يزج باسم عماد شاهين في قضية تخابر ومع غالبية أسماء من جماعة الإخوان فهذا أمر يعجز عن تصوره عاقل يعرف عماد شاهين الذي كان مصرًا على استقلاله ورجح أكاديميته على جاذبية الانتماء السياسي. هذا إن تجاوزنا عن هشاشة قضية يوجه فيها الاتهام لاثنين متوفيين وأسير في سجون إسرائيل منذ 19 سنة.

قوائم كثيرة من شخصيات تعرف عماد شاهين ما زالت تنبري في الدفاع عنه وعن وطنيته واستقامته وحياديته وأخلاقه ومكانته الأكاديمية من داخل البلاد وخارجها.

من أفضل ما قرأت دفاعُا عن عماد شاهين: “إن وجود اسم عماد شاهين في أي قضية ومع متهمين آخرين كفيل بدحض القضية من أساسها وإسقاط التهم عن المتهمين”. أين كان الأمن طوال هذه السنين وعماد شاهين إلى جانب عمله الأكاديمي وسهره الليالي وسفره وكتاباته ومؤتمراته يخطط ويشكل ويترأس خلايا للإخوان المسلمين؟ وهو الذى ما فتئ ينتقد سياساتهم من آن لآخر في كتاباته ولقاءاته؛ سياساتهم التي تنأى عما يتطلع اليه عماد شاهين من بناء ديموقراطي متوازن يسوس البلاد ومن قيم مشتركة تسع الجميع .

إن أقصى خلية أتصور أن يشكلها عماد شاهين هي خلية نحل في حديقة منزله المباع وما أن تلدغه نحله حتى يتبرع بالخلية لأقرب منحل. أما تهم التخابر والمساس بأمن الوطن فهو ما ينكره عماد شاهين جملة وتفصيلاً و ما يمكن أن يبرئه منها أي محام مبتدئ في أي محكمة تحترم القانون. هل ساقت هذه التهم الملفقة وشاية تحذيرية من شخصية ذائعة الصيت أناخ ظهرها المحبس واستنطقت عمن يمكن أن يحمل بذور خطورة في هذه الوجوه الثائرة ومن يكمم فاه من قبل أن يستفحل صوته؛ ومن يهدر دمه ليكون مثلاً ويقل نائحوه فى وطنه؛  فأشارت إليه !  هل عماد شاهين خطر على أمن الدولة كما يزعمون أم على “دولة الأمن”؟ هل هذه من إحدى الموارد التي أوردت د. عماد!

طلبة عماد شاهين العظام قالوا فيه القول الفصل بينما لزمت الحملان الصمت. طلبة عماد شاهين صدوا عنه التهم بدروع الحب والعرفان والمعرفة بينما لم يسع جامعته الأمريكية بالقاهرة – العائد إليها من أشهر جامعات أمريكا – إلا أن توقف راتبه بعد فترة قصيرة من توجيه التهم إليه على الرغم من استمرارها سابقًا في صرف راتب أحد أساتذتها الكبار ذائع الصيت لعدة سنين في ظروف مماثلة. هذا الغبن الذى شتت أسرة عماد شاهين بين مصر وأمريكا يوضح استقلالية هذا الرجل غير المدعوم من هنا أو من هناك.

هذا الرجل قال مثلما قال ويقول كثير من المصريين: “هذا انقلاب على مسار ديمقراطي. نريد لجيش مصر أن يحمى مصر لا أن يحكمها. لا نريد مزيد من النزوات العسكرية بعد فشل 60 عامًا. نريد دولة أمان لا دولة أمنية. لا نريد دولة مواءمات وتبعيات بل دولة  حرة مستقلة . إذا لم تكن الصيغة التي أتى بها الاسلاميون للحكم صالحة لغالبية المصريين فلينحيهم غالبية المصريون بالصندوق كما أتوا. الخلاف لا يصفى بالدم. دم الشهداء لا يذهب هباءً. هناك نار تحت الرماد ولا يطفئها سوى التصالح الوطني وكلما تأخر كلما غلا ثمنه. اعتماد القبضة الحديدية والقتل والبطش والترهيب وعدم الارتكاز على دعائم ديموقراطية سيؤدى إلى عواقب وخيمة داخليًا وإقليميًا. نريد الحرية والكرامة والعدالة”.. هل هذه من إحدى الموارد التي أوردت د. عماد!

إن الصورة العبثية التي زج بها اسم عماد شاهين في هذه المهزلة القضائية تخفى وراءها مشيئة إلهية ستشحذ همته وتفجر طاقاته إلى ما وراء الجدران الأكاديمية ليكون بلاءً وحربًا على الظلمة وأعوانهم الذين سيرد كيدهم في نحرهم لمعاداة خصم لم يحسبوا له حسابا جيدا.

** د. علاء شاهين، أستاذ جامعي وشقيق د. عماد شاهين

مختصر سيرة د. عماد شاهين

– أستاذ زائر بجامعة جورج تاون بواشنطن

– أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

– أستاذ زائر بجامعة كولومبيا (٢٠١٤-٢٠١٥)

– باحث سياسات عامة بمركز ودروو ويلسون للعلماء (٢٠١٤)

– المحرر الرئيسي لموسوعة أوكسفورد عن الإسلام والسياسة (٢٠١٣)

– أستاذ كرسي الأديان والنزاعات وبناء السلام بجامعة نوتردام (٢٠٠٩-٢٠١٢)

– أستاذ مساعد زائر بجامعة هارفرد (٢٠٠٦-٢٠٠٩)

– عضو بالمجلس الأكاديمي لمركز التفاهم المسيحي – الإسلامي بجامعة جورج تاون (منذ ٢٠١١)

– عضو بالمجلس الأكاديمي لمركز الحضارة بالقاهرة

– عضو بالمجلس العلمي بمكتبة الإسكندرية لإنتاج “مختارات من التراث الإسلامي الحديث” (منذ ٢٠١٢)

– استشاري خارجي لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوسلو (منذ ٢٠٠٧)

المصدر: مصر العربية

email
كاتبة أمريكية: السيسي يؤجج السخط بسحق الاحتجاجات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *