صيغة لا غالب ولا مغلوب

صيغة لا غالب ولا مغلوب

عماد الدين شاهين

هذا الجو المشحون وارتفاع وتيرة التصعيد من جميع الأطراف وإحساس كل طرف أنه يمكن أن يخرج منتصرا من هذه الأزمة لا يبشر بإمكانية نجاح التفاوض بين الحكومة والمعارضة، بل يؤذن بخسارة الجميع وعلى رأسهم هذا الوطن المبتلى بضعف قياداته وكيد فئات من أبنائه.

ولن تستقر الأمور دون «فرض» صيغة اتفاق على الجميع تجنب البلاد دوامات من العنف وعدم الاستقرار لسنوات قادمة.

فمهما كانت نتائج 30 يونيو وما بعده، فستنجرف مصر إلى دائرة عنف مقيتة والى حكم المؤسسة العسكرية. فلن يقبل الإسلاميون بحرمانهم من الفرصة الكاملة لحكم البلاد وانتزاع الحكم منهم – قبل مرور المدة الدستورية لرئيس الجمهورية – بسبب ما يرونه من محاولات مستميتة لإفشالهم وعدم تمكينهم من إدارة البلاد، وبالتالى لن يسمحوا مستقبلا لأى رئيس قادم أن يستقر له حكم. ولا حركة تمرد وأخواتها ستقبل – بعد أن تفيق من السكرة – بحكم العسكر وستحاول النزول «بمليونيات» مرة أخرى لمحاولة إسقاطه. وهكذا ترجع البلاد إلى المربع صفر، أى إلى 11 فبراير 2011 أو إلى ستين عاما مضت حين تولى الجيش مقاليد البلاد.

●●●

إذن سيخسر الجميع إن لم يتم الاتفاق بين الحكومة والمعارضة. وحيث إن كلا منهما يتمنع أو يتشرط أو يناور فإذن لا بديل عن أن تفرض عليهم صيغة محددة لبنود الاتفاق الأساسية ويكون التفاوض فقط حول تفاصيل بسيطة على التنفيذ والجدول الزمنى، دون أن يمس جوهر الخطوات التى يمكن أن تجنب البلاد السقوط فى هاوية الانهيار الاقتصادى والمؤسساتى.

ما هى تلك البنود ومن له القدرة على إرغام الأطراف على قبولها وكذلك على الالتزام بتنفيذها.

أحسب أن الإجراءات الأساسية أصبحت واضحة وتحظى بقبول عام ومن ضمنها:

● تغيير هذه الحكومة وتعيين حكومة يرأسها اقتصادى مخضرم ذو قبول داخليا وخارجيا.

● تعيين نائب عام بالصيغة التى أقرها الدستور على أن يتمتع بالاستقلالية والنزاهة (على الرغم من التكلفة السياسية العالية لهذا القرار. فلا أستغرب بعد تغيير النائب العام الحالى خروج جمال وعلاء مبارك لقيادة مظاهرات 30 يونيو أمام الاتحادية).

● تحديد موعد للانتخابات التشريعية المقبلة.

● تعديل قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية.

● الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.

● اقتصار مجلس الشورى على إصدار التشريعات الضرورية فقط لحين انتخاب مجلس نواب جديد

● إعادة تشكيل مؤسسة الرئاسة والالتزام بالتعيينات فى الدولة على أساس الكفاءة والمشاركة لجميع فئات المجتمع وليس على أساس الولاء للجماعة.

● تفعيل ملف العدالة الانتقالية والعدالة الاجتماعية والالتزام العملى بتحقيق مطالب الثورة.

● الإقرار بمشروعية الرئيس محمد مرسى وتوقف المعارضة عن مناكفة ومنازعة الرئيس شرعيته وعن تهييج الجماهير والتحريض على اللامشروعية.

● الالتزام بالمعارضة البناءة الحريصة على المصالح العليا للوطن.

هذه الصيغة هى الأقرب إلى صيغة اللاغالب واللامغلوب، فالجميع يخرج رابحا والرابح الأكبر هى مصر وأبناؤها المتشوقون إلى الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية.

●●●

فى الظروف العادية تتكفل الجماعة الوطنية من مفكرين ونخب وجماعات بالضغط على الحكومة والمعارضة لقبول وتنفيذ هذه الصيغة، ولكن فى حالة الاستقطاب والاحتراب التى يمر بها معظم عناصر هذه الجماعة، وعلى ضوء الإنذار الذى تضمنته تصريحات الفريق عبد الفتاح السيسى، تصبح المؤسسة العسكرية وسيطا مناسبا ذا قدرة على الضغط والإقناع لأطراف الحكومة والمعارضة لقبول الاتفاق والالتزام به. ومرة أخرى لا يتمثل الأمر فى دعوة الأطراف إلى الحوار والتفاوض والاختيار وإنما دعوتهم إلى قبول والتوقيع على هذه الإجراءات.

وليست هذه دعوة إلى عسكرة الحياة المدنية، فدور القوات المسلحة يبقى فى الاساس فى حماية التراب الوطنى والانحياز إلى المؤسسات الشرعية، وإنما هى طوق النجاة الأخير لتجنب مصر ويلات الفتن القادمة.

email
المعارضة الانقلابية المناكفة
في البدء كانت الدولة !

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *